لقد كان لظهور العلمانية في الغرب مبرراتها الدينية، و الفكرية، و النفسية،
و التاريخية و الواقعية. و هي مبررات خاصة بالعالم الغربي و لا يجوز
إسقاطها على العالم الإسلامي بأي حال، و اليكم بعض هذه المبررات:
أ – المسيحية تقبل قسمة الحياة بين الله و بين قيصر:
إن المسيحية نفسها تحتوي من النصوص ما يؤكد فكرة العلمانية، أي الفصل
بين الدين و الدولة، أو بين السلطة الروحية و السلطة الزمنية. و تقسم المسيحية
الحياة إلى قسمين:
أحدهما: لقيصر و هو الجانب الخاضع للسلكة الزمنية سلطة الدولة،
و الثاني: لله، و هو الجانب الذي يخضع للسلطة الروحية، سلطة الكنيسة. و يظهر
هذا جليا في قول المسيح (حسب روايات إنجيل النصارى):"إعط ما لقيصر
لقيصر و ما لله لله"! و يستند هذا على تاريخ الفكر الغربي الذي لا ينظر لله على أنه مدبر حكيم
وسع علمه السماوات و الارض كما يفكر به المسملون.
ب- المسيحية ليس فيها تشريع لشئون الحياة:
و من ناحية أخرى، لا تملك المسيحية تشريعا مفصلا لشئون الحياة يضبط
معملاتها و ينظم علاقتها و يضع الأصول و الموازين لتصرفاتها. إنما هي
روحانيات و أخلاقيات تضمنتها مواعظ الأنجيل، و كلمات المسيح فيه.
على خلاف الإسلام الذي جاء عقيدة و شريعة، ووضع الأصول لحياة
الانسان من المهد إلى اللحد. (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ و هدى
و رحمة و بشرى للمسلمين).
و لهذا نظم الاسلام الحلال و الحرام، و الحقوق و الواجبات و نطام شئون المبادلات
و المعاملات بين الناس، و عنى بالشئون المالية و السياسية و الشرعية من تعليم
الانسان كيفية قضاء حاجته إلى إدارة شئون الدولة. و ليس للمسيحية تشريع مماثل
يرجع إليه، لذا لا يجد المسيحي حرجا إذا حكمة قانون وضعي كما يشعر به المسلم
لأنه (أي المسيحي) يحتاج لما ينظم حياته و القانون الوضعي لا يتعارض مع
ما جاء في دينه.
ج- ليس للإسلام سلطة دينية بابوية:
إذا فصلت دين المسيحي عم دولته، فلن يضيع الدين و لن تزول سلطته لأن للدين
سلطة بالفعل و يمثلها البابا و لها رجالها و حكومتها و أموالها الطائلة التي ترعى
بها مصالحها. و هناك السلطةالدنيوية و التي يمثلها رئيس الدولة. لذا إذا حدث
الانفصال فسيبقى الدين و سيعمل بشكل سلس بدون الحاجة للدولة لأن له كيانه
الخاص أصلا. و هذا بخلاف الدين الاسلامي فإن نتيجة التحول للعلمانية يبقي
الدين بدون سلطان يؤيده و لا قوة تسانده و لا بابا و لا إمكانات الكنيسة.
المقال القادم أعرض لكم اخر مبررات ظهور العلمانية في الغرب المسيحي
و هو تاريخ المسيحية مع العلم و الفكر.
أبو أنس
من قراءتي في كتاب "الإسلام و العلمانية ... وجها لوجه" للدكتور يوسف القرضاوي.... بتصرف
No comments:
Post a Comment